في الخطاب الذي ألقاه هذا الأسبوع في إطار الحملة الانتخابية، أشار المتنافس الجمهوري على الرئاسة جون ماكين إلى "المسؤولية الخاصة" التي تقع على عاتق الولايات المتحدة وروسيا بخصوص ضرورة التعاون بينهما تلافياً لانتشار واستعمال الأسلحة النووية. ولئن كان ثمة إجماع لافت بين المرشحين الرئاسيين على هذا الواجب، فإننا لا ينبغي أن ننتظر إلى حين قدوم إدارة جديدة عام 2009 كي نبدأ في الدفع بهذا الأمر الهام إلى الأمام. والواقع أن الاتفاقية التي وقعتها إدارة بوش مع روسيا في وقت سابق من هذا الشهر، تعد خطوة أساسية في هذا المجال، وهي معروضة اليوم على أنظار الكونجرس. نعتقد أن أولى أولويات سياسة أمننا القومي يجب أن تكون منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، والحال أنه هدف مستحيل بدون تعاون روسيا. فسواء كنا نهدف إلى ضبط الأسلحة النووية واليورانيوم والبلوتونيوم عالي التخصيب، أو الضغط على الأنظمة المارقة، أو تقديم ضمانات بخصوص خدمات الوقود النووي لبلدان أخرى، فإن لروسيا دوراً مركزياً في هذا المجال. والواقع أن للولايات المتحدة اتفاقيات شبيهة بتلك التي تربطها بروسيا وتنتظر موافقة الكونجرس، مع 18 بلداً من بينها الصين ومنظمتان دوليتان، حيث تحدد هذه الاتفاقيات شروط نقل الوقود النووي، والمفاعلات النووية، ومكوناتها الرئيسية، وبعض التكنولوجيات النووية -للأهداف المدنية السلمية- بهدف منع الانتشار النووي. ثم إن من شأن إبرام اتفاقية مع روسيا أيضاً أن يسمح بالعمل المشترك بخصوص المشاريع التي تروم تقييد وضبط انتشار تكنولوجيا الأسلحة النووية. فوفق هذه الاتفاقية، تستطيع الولايات المتحدة وروسيا، عبر التعاون مع دول أخرى، سد الثغرات الكبيرة في نظام حظر الانتشار النووي في العالم، ومن ذلك قدرة إحدى الدول، كإيران مثلاً، على الاقتراب من عتبة تصنيع قنبلة نووية عبر بناء مصنع للتخصيب من أجل احتياجات طاقة نووية مزعومة، ثم التخلي ببساطة عن التزامها ضمن اتفاقية حظر الانتشار النووي والذي يحظر عليها صنع قنبلة نووية. وفي ظل هذه الاتفاقية أيضاً، يمكننا العمل مع روسيا على إنشاء بنك دولي للوقود وضمان توفر خدمات الوقود النووي في السوق الدولية، وبالتالي إضعاف حجة البلدان التي تزعم بالباطل أنها تريد تخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم من أجل الأغراض المدنية فقط، وبالتالي فإن دور روسيا أساسي وبالغ الأهمية. وعلاوة على ذلك، يمكن لبلدينا أيضاً تطوير أنواع جديدة من محطات الطاقة النووية التي تزيد من صعوبة تحويل اتجاه المواد النووية لصناعة الأسلحة. ولهذا الغرض، يمكننا مثلاً اقتسام التكنولوجيات من أجل تحسين إمكانيات رصد المواد النووية السرية، كما يمكننا رفع أمن وسلامة المفاعلات المبنية في الخارج. غير أننا لا نستطيع القيام بهذه الأشياء إلا إذا كانت لدينا اتفاقية مثل تلك المعروضة على الكونجرس. ثم إنه إذا كانت الاتفاقية تخلق إطاراً للتعاون، فإنها لا ترخص، في حد ذاتها، لأي من هذه المشاريع، حيث لا يمكن تخصيب المواد النووية التي مصدرها الولايات المتحدة أو إعادة معالجتها بدون موافقة حكومتنا. بيد أن بعض أعضاء الكونجرس يعترضون للأسف على الاتفاقية بدعوى أنه ينبغي عرقلتها إلى أن تقوم موسكو بالمزيد على صعيد إحباط جهود إيران الرامية لصنع قنبلة نووية. صحيح أن روسيا يمكنها، وذلك واجبها أيضاً، أن تبذل جهوداً أكبر في هذا المجال، لكن الاتفاقية موضوع الحديث ليست الورقة المناسبة للضغط على روسيا، ونعتقد أن رفض الاتفاقية إنما سيؤدي إلى نتائج عكسية تماماً. فمن بين الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها هذه الاتفاقية منع مزيد من البلدان أن تحذو حذو إيران الساعية إلى أن تصبح قوة نووية. وهو ما يستوجب ضرورة ألا نضحي بالاستراتيجية الواعدة وبعيدة المدى لحظر الانتشار النووي في سبيل نفوذ وتأثير قصيريْ المدى من الأرجح أن يأتيا بنتائج عكسية. ومن جهة أخرى، يقول المنتقدون إن التعاون مع روسيا إنما يخدم مصلحتها، وبالتالي ينبغي ألا نفعل شيئاً إلى أن تقوم روسيا بما يخدم مصلحتنا، وهو كلام سبق أن سمعنا مثله عام 1991 عندما كان الاتحاد السوفييتي بصدد التفكك، وقد دعونا الكونجرس حينها إلى مساعدة موسكو على تأمين وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها. وكما هو الأمر بالأمس، فما يحركنا اليوم أيضاً هو مساعدة روسيا سعياً إلى حماية أميركا. وبعد نقاش ساخن ومحتدم حينها، أدرك أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين، أن التعاون هو الطريقة الوحيدة لحماية أنفسنا. ومنذ ذلك الحين، قام "برنامج نان- لوجر التعاوني لخفض التهديدات" بإبطال مفعول آلاف الرؤوس الحربية وتأمين أطنان من المواد النووية. ونتيجة لذلك، يمكننا القول بكل فخر إن العالم بات أكثر أمناً. واليوم علينا أن نُظهر وعياً مماثلاً مرة أخرى. لقد رُفعت الاتفاقية حول التعاون النووي السلمي إلى الكونجرس، حيث ستصبح سارية المفعول بمقتضى القانون ما لم يعارضها كلا المجلسين. وختاماً نقول إن كل خطر نووي تواجهه الولايات المتحدة سيصبح أكثر صعوبة وأكثر خطراً في حال ما إذا رفضه الكونجرس. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"